يعاني العراق والتعليم العالي بشكل خاص من ظاهرة خطيرة تضر بسمعة ومكانة التعليم العالي في العراق وهي ظاهرة تزوير الشهادات العليا والسرقات العلمية بكل مظاهرها, وهي جزء من منظومة الفساد العامة في البلاد التي استفحلت ما بعد سقوط الدكتاتورية على يد المحتل الامريكي, ولكن جذورها تمتد الى حقبة النظام المتردي السابق.
في كل بلدان العالم هناك تزوير او محاولات تزوير للشهادات بمختلف المستويات وخاصة العليا " بكالوريوس, ماجستير, دكتوراه " ولكن هناك فرق ان يكون التزوير والسرقات العلمية هامش بسيط في وسط مجتمع يتمتع بدرجات عالية او مقبولة محليا وعالميا من النزاهة والعدالة وقوة القانون ويتصدى للفاسدين من المزورين وسراق الشهادات الدراسية ويعرضهم للمسائلة الشديدة والعقاب, قد تبدأ من ابسطها والمتمثلة بسحب الشهادة المزورة فورا والطرد من المهنة او موقع المسؤولية التي حصل عليها بالتزوير, وتنتهي الى الحبس والغرامة ودفع التعويضات المالية الباهظة جراء ذلك, الى جانب النبذ المجتمعي للأشخاص مرتكبي جرائم التزوير وقد تصل بصاحبها لاحقا حد تأنيب الضمير ومعاناة من العزلة الاجتماعية وخاصة عندما يرتبط ذلك بأجراءات التعميم والتبليغ لدوائر الدولة والمؤسسات الاجتماعية لتضييق الخناق على المزورين والحد من تماديهم السلوكي.
وقد شهدت دول العالم وخاصة ذات السمعة الطيبة في محاربة الفساد الكثير من حالات سحب الشهادات المزورة والمسروقة والطرد من الوظيفة وقد شمل مسؤولين كبار في الدولة, من وزراء ومدراء عاميين الى جانب موظفين صغار على خلفية التأكد من شهاداتهم المزورة, وفي هذه البلدان يكون الحديث عن النزاهة كسياق عام, وعن التزوير والفساد والسرقة كحالات شاذة وتمثل فسحة ضئيلة لا تهدد النظام والامن والاستقرار العام للدولة والمجتمع ولكن واجبة التصدي لها وحصرها منعا من تسللها وانتشارها, وهنا يمكن القول ان النزاهة قاعدة في مستويات معينة والفساد استثناء, ولكن الأمر مختلف عندما يكون الفساد والسرقة والتزوير قاعدة والنزاهة استثناء.
في عودة سريعة لظاهرة الفساد العام في العراق ومدى انتشاره وتمترسه في مفاصل الدولة والمجتمع بكل قطاعاته" باعتباره خلفية تضع امامنا بعض من الصورة القاتمة لكل الوزرارات والاجهزة الحكومية ومن ضمنها قطاع التربية والتعليم ".
وفي أول جلسة للبرلمان العراقي من فصله التشريعي الثاني، والتي عقدت في 9 من مارس/آذار للعام 2019، كشف رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي "خارطة للفساد"، شملت 40 ملفا، غالبها في مفاصل ومؤسسات الدولة. وشملت القائمة: "تهريب النفط، ملف العقارات، المنافذ الحدودية، الجمارك، تجارة الذهب وتهريبه، السجون ومراكز الاحتجاز، النقاط الأمنية الرسمية وغير الرسمية، المكاتب الاقتصادية بالمؤسسات والمحافظات والوزارات، تجارة الحبوب والمواشي، الضرائب والتهرب منها، الأتاوات و الكومشن (العمولة)، مزاد العملة والتحويل الخارجي، التقاعد، ملف السجناء، ملف الشهداء، المخدرات، تجارة الآثار، الزراعة والأسمدة والمبيدات، تسجيل السيارات والعقود والأرقام، الإقامة وسمات الدخول".
وتضمنت أيضا: " الأيدي العاملة الأجنبية، الكهرباء، توزيع الأدوية، توزيع البطاقة التموينية، الرعاية الاجتماعية، السلف المالية المصرفية، التعيينات، بيع المناصب، العقود الحكومية، تهريب الحديد والخردة وغيرها، الامتحانات وبيع الأسئلة، المناهج التربوية وطباعة الكتب، المشاريع المتوقفة، المشاريع الوهمية، القروض المالية، شبكة الاتصالات والإنترنت والهواتف النقالة، الإعلام والمواقع الإلكترونية، شبكات التواصل الاجتماعي، ملف النازحين، الاتجار بالبشر".
تُضاف هذه القطاعات الأربعين الرئيسية إلى الكثير من ملفات الفساد المُكتشفة بالأساس سابقا، لكن لم يتم تفعيل الأدوات والمؤسسات القضائية والتنفيذية لمتابعتها. تقدر الحكومة العراقية تلك الملفات بحوالي 13 ألف ملف للفساد، يقدر المتورطين فيها بقرابة مليون مشتبه، بين فاسدين ومتعاونين ومرتشين ومعطلين للقانون العام. تتراوح دائرة المؤسسات والإدارات المتورطة بها من التعليم والقضاء، وتمر بالتهريب والرشاوي، ولا تنتهي بوزارتي النفط والدفاع، اللتان تُعتبران من أكثر وزارات العراق فسادا على الإطلاق. خارطة الفساد هذه تعكس بوضوح استباحة العراق شعبا وأرضا ووطنا ومواردا للعيش. فلا نستغرب عنما تشير الأرقام الدولية بأن موقع العراق هو بالمرتبة 166 من أصل 176 دولة على سلم الدول في مستوى الشفافية في العالم. أي أن العراق من أكثر الدول فسادا في العالم.