الفساد كلمة شاذة بالمعيار الأخلاقي والاجتماعي والإنساني ولها معاني كثيرة وتختص بكل ما هو سيء مذموم ومن نتائجها تدني في السلوك الاجتماعي والمهني وعدم الوفاء والخيانة على المستوى العام والخاص، بيع الضمير وإفساد الذمم وقمة الانتهازية والوصولية والتخريب والدمار الذي يطيل مرافق الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية في البلاد ويمس بشكل مباشر ملايين الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين وأصحاب الدخل المحدود والجماهير الفقيرة، الفساد بؤرة للحرامية والسراق ومسؤولاً عن الإملاق والفقر وضياع الأنفس وبخاصة مثلما هو الحال في العراق المثقل بالمشاكل والازمات، ولضيق المساحة لا نريد الاسهاب حول جميع النتائج أو ذكر السلبيات والجرائم والاسماء، إلا أننا سوف نمر على حالة مهمة نالت من حياة ومعيشة الملايين من المواطنين فالفساد اثر بشكل واسع على حياة أكثرية الفئات والطبقات المتوسطة والفقيرة ووسع مساحات الفقر ليشمل فئات واسعة من الكادحين الذين تحدد مداخيلهم بحدود قاسية في القطاع الخاص والقطاع الحكومي ، والفساد بأنواعه عمّ في كل مناحي الحياة وبخاصة الحكومية هي المهيمنة بدلاً من القوانين التي تمنع انتشاره ولهذا قامت وتقوم ولو بشكل خجل لجان النزاهة ولجنة النزاهة النيابية بعرض البعض من "حيتان ورموز الفساد " ومحاولات لتعرية فنون الفساد والفاسدين وتقديم ما يمكن للعدالة وتشير الكثير من القضايا عن وجود متحصنين في أجهزة الدولة والمحافظات وهم يمتلكون المال والسلاح ويعزز ما أكدناه في الماضي ونؤكده الآن ما ذهبت اليه ناهد الدايني رئيسة لجنة النزاهة النيابية أن " الفساد المعتم عطل عجلة الاعمار والبناء في المحافظة وجعلها الأسوأ خدميا بين المحافظات رغم موقعها التجاري والإستراتيجي المتميز ووجود منفذين مع ايران ومنافذ متعددة مع إقليم كوردستان والعاصمة بغداد والمحافظات الأخرى" نقول الحديث عن محافظة واحدة والمشكلة الأعم هي باقي المحافظات وفي مقدمتها العاصمة بغداد واذا ما بحثنا عن نتائج الفساد كسبب مهم من الأسباب الأخرى على الحياة الاقتصادية والمعيشية وقضية الفقر في البلاد فسوف نتوصل الى ظاهرة الفقر ودونه التي توسعت بشكل مطرد خلال السنوات السابقة، إن العديد من الاحصائيات التي تناولت نسب الفقر وتصاعدها منذ السقوط والاحتلال 2003 تدل على كارثة الفقر وتشعباتها ونتائجه المأساوية على حياة المواطنين لا بل إن هناك شكوك حول أن هذه النسب ليس كما هي في الواقع لأنها اكثر من ذلك واحدى هذه الاحصائيات ذكرت أن الفقر تجاوز ثلث الشعب العراقي أي حوالي 30% هم فقراء جائعين
وأشارت مصادر رسمية ان وزارة التخطيط العراقية تؤكد أن النسب "في بعض المدن عالية جدا أو تحت المستوى المسموح به عالميا، وبعض مستويات الفقر فيها تكون تحت خط الفقر والبعض فوقه" ومع ذلك هناك احصائيات رسمية ودولية تتفق ورؤيا الوزارة وتعترف بان الفقر ودون الفقر عبارة عن مأساة تشمل ثلث المواطنين أي حوالي 30% من تعداد السكان وتعتبرهم جائعين وليس هذا فحسب فان تداعيات الفقر وضنك العيش أدى الى علات اجتماعية وأخلاقية والكثير من الجرائم والانتحار التي أصبحت ظاهر ة غير مسبوقة ومنتشرة في كل انحاء البلاد وهذا ما أعلنته في تصريح صحفي مديرية الشرطة المجتمعية بأن "الفقر والبطالة والعنف الأسري وتعاطي المخدرات هي أهم أسباب حالات الانتحار في البلد" وقد ربطت العديد من المؤسسات المعنية ووسائل إعلام مختلفة بين هذه الظاهرة الخطيرة وبين ظواهر الفقر والبطالة واللجوء إلى المخدرات وخصت بها فئات الشباب ، وذكرت الاحصائيات الرسمية كمثال أن البلاد سجلت عام 2021 " اكثر من 772 حالة انتحار " وقد تخطت حصيلة أعوام 2017 وعام 2018 وعام 2018 وعام 2019 بينما سجلت الإحصائيات منذ بداية عام 2022 حتى شهر تموز اكثر من (420) حالة في كافة انحاء البلاد، وقد أعلنت وزارة الداخلية في بيان صحفي أن " 32.3% من المنتحرين العراقيين، كانت أعمارهم أقل من 20 عامًا. فيما شكلت نسبة الذكور 55.9 في المائة من الحصيلة، والإناث 44.1 في المائة"
أن الفقر الذي ابتلى به العراق بسبب السياسة الطائفية والحزبية الضيقة والتي انتجت الفساد والبطالة وارتفاع الأسعار وتدني الخدمات الاجتماعية فقد تجاوز كل الخطوط الحمراء وأصبحت الطبقات والفئات الكادحة وأصحاب الدخل المحدود في حالة يرثى لها كما تصاعدت الجرائم اللااخلاقية ومنها الخطف والسرقة والتجاوز على أموال المواطنين، ان ارتفاع نسبة الفقر منذ عام 2003 مع انتشار الفساد ثم تصاعد اعداد العاطلين عن العمل حتى أن البنك الدولي كشف الأربعاء 26 كانون الأول 2018 احصائيات دقيقة أن " نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 41.2 % في المناطق المحررة، و30 % في المناطق الجنوبية،23% في الوسط، 12.5 % في إقليم كردستان" وهي ارقام مذهلة دلت حينها عن الأوضاع الكارثية في تصاعد وليس بالإمكان وجود حلول إلا بتغير نهج المحاصصة واعتماد سياسة جديدة تغاير القديمة، سياسة وطنية جل أهدافها اخراج البلاد من المأزق الحالي ومحاسبة كل من أساء وفرط بحقوق المواطنين ولم يراع ضميره ووجدانه من خلال الاستيلاء على المال العام واتباع سياسة للنهب وإفقار مئات الآلاف من المواطنين، البطالة والفقر الواسع الذي افرز جوانب سلبية في حياة المواطنين دفع البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي وشاع في المجتمع سلوكيات لا أخلاقية مما تصاعدت فيه وتائر السرقة والدعارة والجريمة الفردية والجرائم المنظمة، وفي هذا الصدد أشار حسين المهدي الخبير الاقتصادي" أن الفقر والبطالة هما من الأسباب الرئيسية للانحراف لدى الشباب وخصوصا صغار السن "
أن تفاقم المشاكل والمحن واستمرار تدهور اوضاع الملايين من العراقيين الكادحين وأصحاب الدخل الضعيف يتطلب حلاً وطنياً يعتمد على إرادة أكثرية الشعب العراقي وأشار الحزب الشيوعي العراقي في هذه القضية مؤكداً " إن عدم الاستجابة السريعة لمطالب التغيير الشامل، واستمرار التخندق في المواقف والتشبث بالتوافقية والمحاصصة الطائفية وبالمنهج الفاشل، المسؤول عن الأزمة البنيوية التي تعصف بمنظومة الحكم، لا يعني إلا استمرار تفاقم جوانب الأزمة والتي يمكن أن تتخذ مسارات غير محسوبة العواقب تقوض مؤسسات الدولة"
ان التغيير الشامل والمخرج كما اشار" هو أضمن الطرق السلمية والدستورية لمواجهة الأزمة المتفاقمة، وبخلاف ذلك فإن الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات والخيارات"، الوضع الحالي يحتاج تنفيذ متطلبات المرحلة في إنهاء نهج المحاصصة الطائفية والحزبية يصاحبه قانون انتخابي عادل والتوجه لإجراء انتخابات نيابية مبكرة بوجود مفوضية مستقلة فعلاً وليس قولاً واستكمال المهمات الأخرى التي تخص عمليات التغيير الشامل، لا نشك ان التأخر عن ذلك سوف ينتج مآسي اكبر واعمق وقد يهدد السلم الأهلي الذي يقف على حدود الصراع الداخلي بين القوى الشيعية المتنفذة وهو صراع عطل عمل الدولة والمؤسسات الحكومية ولا يقف الصراع عند حدود معينة لأننا نعرف انه سيمتد الى خارج هذه القوى ويجر قوى أخرى متأهلة للدخول لكي تدجني انتصارات لمصلحتها الانانية وتقف البعض من القوى الخارجية مع تأجيج الصراع وإبقاء البلاد في حالة من الفوضى والغليان لتسفيد في النهاية من هذه الفوضى ومن الانقسامات والخلافات وترى في الحلول والتغيير انهاء تأثيرها واضعاف تواجدها في الشأن الداخلي العراقي.