"التاريخ الذى درسناه فى المدارس جعلنا نحفظ الملوك وفتوحاتهم دون أن نسأل عن مشاعر الشعوب المكبوته بعد الفتح"
على الوردى
هنأ رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تغريدة على حسابه في تويتر المسيحيين بمناسبة اعياد الميلاد المجيدة وجاء في التغريدة" أهنئ أهلنا، أبناء المكون المسيحي..."
بعد سقوط النظام السابق في 2003، شهد العراق ومازال يشهد تناقصا كبيرا في اعداد المسيحيين ووفقا لبعض المصادر بان سبعة من اصل ثمانية مسيحيين غادروا العراق الى دول الشتات واقليم كردستان ، لاسباب كثيرة منها عمليات الخطف والاغتيال والتهديد والتهميش في كافة مفاصل الحياة، اضافة الى عدم توفر فرص العمل والخدمات، وبسببها تم اغلاق عدد من الكنائس بعد ان كان الحضور في كل كنيسة يتجاوز المئات والان الحضور في الكنائس المتبقية لا يتجاوز العدد عن 50 شخصا!! مع اجبار الكثير منهم لبيع ممتلكاتهم ومازالت الهجرة مستمرة لانهم يعلمون بان الوعود والضمانات التي يقدمها ساسة الاسلام السياسي ليست الا وعود كاذبة.
اما تصريحات رؤوساء الوزراء السابقيين في احاديثهم عبر منصات التواصل الاجتماعي والفضائيات بان المسيحيين هم ابناء العراق الاصلاء ليست سوى تصريحات كاذبة ، و اليوم، يغرد السوداني ليطلق على الشعب العراقي من المسيحيين"بالمكون" وكان قد سبقه رئيس الوزراء الاسبق السيئ الصيت نوري المالكي عندما اطلق عليهم تسمية" الجالية " وكما نعلم جيدا بان محمد شياع السوادني و سيده نوري المالكي هم من حزب الدعوة الذي ينهش بمخالبه جسد العراق بابشع انواع الفساد في كافة مجالات الحياة، وهذا يعطي دليلا قاطعا بان قادة العراق منذ 2003 والى اليوم قد نصبوا على رؤوسهم جهاز"مانع التفكير" وهذا الجهاز شعاره الغباء والجهل والتهميش والكذب والفساد.
الجميع يعلم ومنهم هؤلاء الذين يحكمون العراق من الاحزاب السياسية الاسلامية ومليشياتها، بان المسيحيين هم سكانَ العراق الأصليين، وسليلي حضاراته القديمة و ان العراق ارضهم وموطنهم وجذورهم ضاربة في عمق التاريخ، واليوم يخرج محمد شياع السوداني من يخرج من حفرته في حي الخضراء ويطلق على المسيحيين العراقيين بالمكون!! وتغريدته وهو رئيس الحكومة العراقية، ما هو الا الاصرار على الغاء المواطنة على المسيحيين العراقيين.
نقول لمحمد شياع السوادني وقادة حزب الدعوة، بان المسيحيين مواطنين عراقيين حالهم حال المسلمين من الشيعة او السنة والايزيدية والصابئة المندائيين والاخرين، وان المواطنة تشمل كل من يحمل الجنسية العراقية والمواطن المسيحي يشعر بالفخر والاعتزاز والوفاء والانتماء الى الوطن والدفاع عنه، وكما يسجل التاريخ بان دور المسيحيين في العراق لا يقل عن الاخرين في تحمل المسؤولية والمشاركة في الدفاع عن الوطن، وفي بناء الدولة العراقية منذ تاسيسها في عام 1921.
لا نريد ان نهمس باذن محمد شياع السوداني، بل نقولها بصوت عال، لان السوداني وحزبه وميلشياته لم يطلعوا على صفحات التاريخ الزاخرة بانجازات المواطن المسيحي العراقي، وهذا التاريخ سجل مئات الاسماء لمسيحيين عراقيين لمعت اسمائهم في صفحات مشرقة من هذا التاريخ ومنهم، عميد الصحافة روفائيل بطي وبولينا حسون التي تعتبر اول سيدة تصدر صحيفة في العراق والاب اللغوي انستاس الكرملي والعالم الاثري بهنام ابو الصوف والمفكر يوسف حبي ومن الشعراء الاب الدكتور يوسف سعيد وسركون بولص وجان دمو والمؤرخ مجيد خدوري وكانت اول طبيبة تتخرج من كلية الطب هي ملك غنام والعلامة متي عقراوي ويوسف غنيمة والموسيقار حنا بطرس مؤسس الفرقة السمفونية العراقية حنا خياط هو سياسي وطبيب عراقي، عُرف كأول وزير صحّة في العراق (1921- 1922) والرياضي المشهور الكابتن عمو بابا والفنانيين عوني كرومي وازادوهي صاموئيل والاخوين كوركيس عواد وميخائيل عواد ومئات غيرهم من المسيحيين الذين ساهموا في بناء حضارة العراق وهؤلاء وغيرهم لسرق فلسا واحدا من خزينة العراق، ولم يتهم احد منهم بالفساد.
اذا كان محمد شياع السوادني لم يطلع على دور المسيحيين في تاريخ العراق المعاصر، فعليه ان يطلع على دورهم في الدولة الاموية او العباسية عندما كان العلماء المسيحيين ودورهم البارز في الترجمة للكتب اليونانية والسريانية الى اللغة العربية وفي الطب والفلسفة والتاريخ والجغرافية.
منذ تاسيس الدولة العراقية والى سقوط نظام صدام حسين في 2003 لم تستخدم كلمة "المكون" او "الجالية" على المسيحيين ولكن في عهد المليشيات الاسلامية واحزابها، اصبحنا نسمع او نقرأ لهذه "المصطلحات" التي ليس هي سوى تهميش للمسيحيين واعتبارهم مواطنيين من الدرجة الرابعة او الخامسة، ونريد هنا ان نسال محمد شياع السوداني ومن سبقه في رئاسة الحكومات السابقة وخاصة بعد دخول داعش الى الموصل وبلدات سهل نينوى، ماذا قدم لهؤلاء الذين طردوا من ديارهم، و ماذا قدم من اجل اعادة بناء كنائسهم ومنازلهم وممتلكاتهم .
ترك المسيحيين العراقيين بلدهم بعد معانات مريرة بعد 2003 في غياب الامن وعدم الاستقرار، وفي مدن الشتات، اسسوا تجمعات ترفع علم العراق عاليا، ويشاركون ابناء الوطن بهمومهم، واقتراحنا الى السيد محمد شياع السوداني واطاره التنسيقي بان يطلق مصطلح "مكون الفساد"على جميع الاحزاب السياسية الاسلامية ومليشياتها وليس على المسيحيين، الذين قدموا شهداء على مذبح الحرية عبر تاريخ العراق المعاصر،ولابد ان يعود ثوار تشرين الى الساحات لاعادة"المواطنة" الى جميع العراقيين بدون استثناء.