السؤال الملح هذا طرح في مجالات عديدة ونوقش في ندوات تلفزيونية واجتماعات رسمية حكومية وغير رسمية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي لمعرفة حقيقة اجراء انتخابات مجالس المحافظات او عدم اجرائها، الآراء كانت متنوعة ومتناقضة ومنقسمة ما بين التفاؤل وعدمه، ما بين الجدوى منها او عدم الجدوى، ما بين الماضي والحاضر والقوى المشاركة المتباينة في مواقفها واتجاهاتها وقربها من اتخاذا القرار او بعدها عنه، ما بين الثقة النسبية وعدم الثقة المطلقة وعموماً ان انتخابات مجالس المحافظات اذا نجحت في الموعد المحدد فهي حالة صحيحة وصحية بشروط اقامتها وفق أسس قانونية ومعرفية وبخاصة اذا اعتمدت الأصول المتبعة في أي انتخابات ديمقراطية نزيهة، لسنا نعيش في عالم الغيبيات او مغلقي الاعين عندما نقول " ديمقراطية ونزيهة" هذا يعني اننا سنسلم بهذا القول كأن الأمور طبيعية بدون منغصات أو خلافات ! وكما معروف ان الأوضاع بشكل عام والسياسية والمعيشية بشكل خاص تحتاج الى أكثر من تحميص وتدقيق لأنها تشبه إذا صح التعبير" العبوة الناسفة " المعدة للانفجار واسباب الانفجار موجودة وقوية، الصراع بين الاخوة الاعداء مازال محتدما على أشده ما بين
1- من يسعى للتصحيح والتغيير والتجديد والتخلص من الطائفية لبناء الدولة المدنية .. وبين
2- دهاقنة السلطة المتصارعين والمال السياسي وامتلاك السلاح والمليشيات خارج اطر القانون واعتماد الطائفية كنهج وممارسة.
هنا يكمن خطورة الموقف مما يجعل القلق مشروعاً ويعيد الى الاذهان التساؤل الملح الذي تحدثنا عنه
ـــ إذا رأى الدهاقنة ان كفة الميزان تميل لصالح القوى الخيرة والوطنية هل سيسلمون للأمر الواقع ويتنازلون عن مصالحهم ومشاريعهم ؟
ـــــ ام انهم سوف يلجؤون لطرقهم الملتوية واساليبهم الخبيثة، حتى لو اقتضى الامر استعمالهم القوة المسلحة ؟
نعتقد الجواب صعب للغاية لعدة عوامل
1 – المال السياسي الذي في حوزة الدهاقنة مصادره غير معروفة سوف يلعب دوراً بارزاً في التأثير على سير العملية الانتخابية وعلى جمهرة الناخبين
2 – وجود السلاح والمليشيات بيد الدهاقنة كل على حدة ، إضافة الى الانتشار في المناطق والقصبات والاقضية ولها باع طويل في التأثير على المواطنين وتهديدهم وتخويفهم واستعمال منظومة دينية طائفية او التدخل للقمع والاضطهاد والتصفيات.
3 – التخندق في مؤسسات الدولة الأساسية وفق جهاز بيروقراطي " مدعوم بالفساد والفاسدين "، مدعوم بقوى مضادة لها مصلحة في الإبقاء على القديم المتخلف والفاسد وبالضد من أي اصلاح وتغيير يحاول الوقوف ضد آفة الفساد المالي والإداري
4 – الدعم الخارجي المشبوه الذي له دور في التدخل في شؤون البلاد الداخلية ولنا اسوة بالماضي وإمكانية هذا التدخل تحت طائلة موافقة البعض من القوى السياسية الدينية العراقية
5 ـ البعض من المرجعيات الدينية يجري مع شديد الأسف استغلالها، ان تدخل الدين في السياسة يستغل من قبل هؤلاء الدهاقنة بحجة التدين المبطن بالطائفية
6 – الصراع بين القوى الأخرى وتداخلاتها ما بين الموقف الصحيح للتعديل او التخندق في المواقع المكتسبة والحفاظ على المصالح والمراكز المسؤولة في الدولة مما يجعلها تصطف مع القوى التي تراهن على بقاء القديم
هذه وغيرها من المؤشرات يجعلنا التدقيق والاستنتاج المنطقي كي نصل الى النتيجة ومعرفة الواقع، ومع هذا مازال الامل بعقد الانتخابات يحذو جميع الذين يسعون للتطور والتغيير والخلاص من الأوضاع الشائكة التي تؤثر على مستقبل البلاد والعمل باتجاه البناء والتخلص من التراكمات السلبية القديمة والجديدة في العراق.
نحن نتابع الانباء التي تشير الى قرار اجراء انتخابات مجالس المحافظات في كانون الأول/ 2023 وأعلن حسب وسائل الاعلام عن ترشيح (348 ) مرشحاً ويصادف ذلك يوم الاحد حتى انتهاء الدوام الرسمي، ان هذه الانتخابات لا تقل أهمية عن انتخابات البرلمان التشريعية، باعتقادنا لن تكون سهلة دون منغصات وتجاوزات بل العكس فنحن نتوقع التجاوز والتدخل واستعمال المال السياسي وتكليف المليشيات المسلحة في التدخل وإرهاب الناخبين باتجاه مصالح القوى المتنفذة الا ان القوى الوطنية والديمقراطية عليها الاستعداد والحذر ورصد التجاوزات لان الظروف الداخلية صعبة جداً والأوضاع في حالة يرثى لها، سياسياً وامنياً واقتصاديا ومعاشياً واذا ما وجدت ان الأمور تسير نحو الهيمنة وعدم فسح المجال فان افضل المواقف عدم المشاركة لتعرية الدهاقنة وقوى الردة الرجعية
ان انتخابات مجالس المحافظات اذا جرت وفق الأسس الصحيحة فأن المشاركة في " الحملات الانتخابية " يعتبر شكلاً آخر من اشكال الصراع السياسي والطبقي السلمي
وهو جزء مكمل لعملية للانتخابات التشريعية البرلمانية منذ ان بدأت العملية الانتخابية البرلمانية ، لقد صوت مجلس النواب على اجراء الانتخابات لمجالس المحافظات في كانون الأول/ 2023 حيث تعتبر هذا الانتخابات ذات أهمية بالغة بعدما كانت آخرها قبل ( 10 ) سنوات حيث أجريت في شهر نيسان عام 2013، وقد اعلن عن انها ستكون في ( 15 ) محافظة من أصل ( 18 ) محافظة إضافة الى ( 3 ) محافظات ضمن إقليم كردستان " أربيل ، والسلمانية ودهوك.
نعم ( 10 ) سنوات مرت على آخر انتخابات لمجالس المحافظات وهي مدة طويلة وأسباب التعطيل كتب عنه الكثير بدء ذا بدء من استغلال المناصب والمحسوبية والجهات والتدخلات والتزوير والفساد في المال السياسي ، والفساد ليس بعيد عن مؤسسات الدولة، الوزارات والدوائر وغيرهم وباعتراف صريح من قبل هيئات النزاهة، وعندما بلغت المطالبات الواسعة حينها الغاء مجالس المحافظات باعتبارها طريقا آخر للفساد فقد أخطأت لأنها كان من الأفضل ان تذهب الى اجتثاث الفساد ومحاربته ليس بإلغاء مجالس المحافظات بل العمل على تخليص هذه المؤسسات المهمة من مستنقع الفساد وتحويلها الى مؤسسات نزيهة في العمل والتوجه لمحاربة الفساد ولتكون مثالاً يقتدى به ولقد كانت تجربة ال ( 10) سنوات خير دليل على ان الفساد اصبح اكثر توغلاً وحجماً ومثالاً للأسوأ وللسرقات وفضائح التجاوز على المال العام التي كانت أوسع واشمل واكبر، لهذا نحن لا نتفق لا مع سلبية عدم المشاركة بمجرد وجود " الهاجس والخوف من التجاوز " في انتخابات مجالس المحافظات لإنها ممارسة ديمقراطية ، ومع الجانب الآخر نتفق عدم المشاركة اذا وجدنا ان التزوير والتدخل ومحاولات التأثير على النتائج، وهذه القضية تحتاج الى دراسة دقيقة مع مراقبة المزاج الجماهيري وما يجري من آراء حول الانتخابات ونجاحها في التغيير كمشروع للتخلص من المحاصصة والفساد " وهنا يشير رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي " في عملية تغيير منظومة حكم المحاصصة المسؤولة عن تشوه وفشل عملية إعادة بناء الدولة وسوء أدائها" ويخص فهمي بالذات " استشراء الفساد في مفاصل الدولة والمجتمع وتحوله الى شبكات منظمة عابرة للأحزاب والقوميات والاديان والمذاهب" واكد رائد فهمي على ثلاثة مواقف سياسية وهو راي سديد ومطروح ليس الان على انتخابات مجالس المحافظات بشكل متزامن مع الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد وتبقى في الأوليات المحاصصة الطائفية التي يريد البعض من تجار السلطة والمال والميليشيات المسلحة الإبقاء عليها بينما في المقابل فان القوى الوطنية والديمقراطية ومعها جماهير واسعة بما فيها الانتفاضة التشرينية وجميع الحركات المناهضة للمحاصة وتسعى من اجل الإلغاء وقيام العامل الوطنية لبناء الدولة المدنية.
من الضروري التحشيد وتقديم الأفضل والالتصاق بالجماهير الكادحة والمغيبة والفئات المثقفة وكل الذين لديهم مصلحة في التغيير وقيام دولة المواطنة المدنية والتخلص من السلاح المنفلت وضم الحشد الشعبي غير التابع الى القوات المسلحة الوطنية وتحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة وتخليصه من ازدواجية الولاء الموجودة حالياً.