الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
من يونيتاد الى المحكمة الجنائية الدولية..العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزءالاول)

عيّن الأمين العام أنطونيو غوتيريش القاضي كريم خان مستشاراً خاصاً، ورئيساً للفريق المعني بالتحقيق في جرائم داعش في العراق والمعروف بالاسم المختصر يونيتاد (UNITAD) وهوالقاضي كريم هو مواطن بريطاني من أصول ارستقراطية باكستانية، مختص بالقانون الجنائي الدولي، والقانون الدولي الإنساني. وقد سبق لي أن التقيت الرجل مرتين في بغداد بصفته تلك عندما كنت رئيساً لدائرة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية العراقية.

تأسست يونيتاد بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي 2379 في عام 2017، بعد مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار مجلس حقوق الانسان المرقم (ٍS22-1) الصادر عن جلسته الاستثنائية الثانية والعشرين المعقودة في جنيف في 1/9/2014، وهي الجلسة التي دعت لانعقادها وزارة الخارجية العراقية عن طريق دائرة حقوق الانسان في الوزارة بعد الهجوم الداعشي في العراق.

كان العالم قد أدرك آنذاك خطورة وأبعاد الظهور الوحشي المفاجئ لتنظيم داعش، بعد محاولات إبادة المواطنين اليزيديين في شهر آب من ذلك العام. كما تغير أيضاً موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي كان يعتقد حتى حينه بأن داعش ربما كانت ظاهرة داخلية مرتبطة بسياسات الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي. وللأمانة فقد لعب وفدنا حينها دوراً محورياً في توضيح تلك المخاطر للدول الأعضاء، فاستجابت وفودها لدعوة العراق لحضور الجلسة الاستثنائية، ومن ثم بالطبع التصويت بالإجماع على القرار (ٍS22-1)، الذي مثّل حينها نصراً دبلوماسياً في ظل خسارات عسكرية وأمنية فاجعة وأداء سياسي متعثر للحكومة العراقية.

استغرق الأمر ثلاثة أعوام لتحويل قرار مجلس حقوق الإنسان الى التنفيذ الميداني. فقرارات مجلس حقوق الإنسان في جنيف تخضع الى مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والأخيرة ترفع بدورها القرارات التي تصوّت عليها الى مجلس الأمن الدولي للمصادقة ولتوفير مستلزمات تنفيذها. وبعد تسلّم رسالة رسمية من الحكومة العراقية بطلب "المساعدة من المجتمع الدولي لمحاكمة كيان داعش الإرهابي..." أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 2379 في أيلول 2017 الذي طلب في فقرته الثانية قيام الأمين العام بتشكيل "فريق تحقيق، برئاسة مستشار خاص، لدعم الجهود المحلية الرامية إلى مساءلة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن طريق جمع وحفظ وتخزين الأدلة في العراق على الأعمال التي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها جماعة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الإرهابية في العراق".

من انطباعي الأول عن القاضي كريم خان، لم أكن واثقاً من نجاحه في تلك المهمة، التي كانت تتطلب جهوداً مضنية وزيارات ميدانية إلى مواقع تنفيذ الجرائم على مساحات واسعة في العراق، بغرض توثيق الأحداث بدقة، وتدوين شهادات الضحايا والشهود، وجمع الأدلة الثبوتية في ظل محددات القرار 2379. أقول هذا لأني كنت ألحظ القصور الواضح في الإمكانات العراقية على المستويات كافة بما فيها القضائية والأمنية، فضلاً عن انغلاق الأفق السياسي وصراعات الأطراف وصدمة الهزيمة التي ألحقت بالجيش، وضرورة عمل الفريق في المواقع الخارجة عن سيطرة القوات الأمنية، وفي مخيمات النزوح، فضلا عن تعدد اللاعبين المحليين والدوليين، والنقص في التشريعات التي تسمح بمحاكمة المتهمين بجرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية.

كان متوقعاً أن تكون مهمة السيد كريم خان وفريقه شائكة لكنها في غاية الأهمية للعراق وللإنسانية. وبرغم انطباعي الأولي عن الرجل، لكنه عندما غادر يونيتاد في مايس 2021 الى منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) كان قد نجح في تحويل قرار مجلس الأمن المرقم 2379 الى إدارة ومكاتب ولجان تحقيق يعمل فيها أكثر من 350 موظفاً بينهم 270 موظفاً محليّاً، ولديهم تعاون مشترك مع الأجهزة الحكومية العراقية، ومع المجتمع المدني. كما قدّم ستة تقارير تفصيلية الى مجلس الأمن الدولي عن عمل فريقه في توثيق جرائم داعش، بما في ذلك مذبحة سبايكر وسجن بادوش وغيرها.

استلم رئاسة يونيتاد خلفاً له الألماني كريستيان ريتشر لإكمال العمل المتشعب للفريق في جمع المعلومات والبدء بملاحقة المجرمين، وكشف علاقاتهم التنظيمية وشبكات التمويل والتجنيد، وتطوير التعاون مع دول المنطقة ومع البلدان الأوربية، ونجح الفريق بالفعل في تحقيق أولى المحاكمات في ألمانيا ضد الداعشي "طه الجميلي" المدان بجريمة إبادة بحق اليزيديين.

من الغريب أن الحكومة العراقية تقدمت بطلب انهاء مهمة يونيتاد، وهو أمر مؤسف لأن توثيق جرائم تلك الفترة من حياة المجتمع العراقي ضرورة أخلاقية وواجب، ولا يجوز اخضاعها الى ارادات ورغبات سياسية. وبرغم الخلافات بين فريق التحقيق والأجهزة الحكومية العراقية، لم يكن في صالح العراق قطع التعاون مع منظمة دولية مهمتها الرئيسية هي توثيق جرائم الإرهاب وتقديم المجرمين الى العدالة. فقد كان من حق يونيتاد طلب تشريعات عراقية مناسبة لمحاكمة مجرمي داعش، وكذلك حذرهم من إخضاع مهمة فريق التحقيق تماماً لرغبة الطرف العراقي.

إن من الإنصاف الاعتراف بأن "قانون مكافحة الإرهاب" (ومادته الشهيرة المسماة شعبياً أربعة إرهاب) غير كافٍ لمحاكمة جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ولذا كان يتعين على العراق الحرص على تنفيذ فقرات القرار 2379 المعنية بالتنسيق بين الطرفين في ظل احترام سيادة العراق وولايته القضائية في الجرائم المرتكبة في أراضيه، وتطوير قدرات القضاة العراقيين والمساعدة على تطوير قاعدة تشريعية خاصة بجرائم داعش. فعلى سبيل المثال، كان القضاء العراقي قد لمس النقص في التشريعات الوطنية عندما حان موعد محاكمة صدام حسين وأركان حكمه، فلجأ الى تأسيس المحكمة الجنائية العليا الخاصة بتلك المحاكمة التاريخية. والحاجة واضحة في النظام القضائي العراقي الى تشريع خاص بمحاكمة إرهابيي داعش.

-يتبع-

  كتب بتأريخ :  الإثنين 07-04-2025     عدد القراء :  24       عدد التعليقات : 0