لابد ان نضطر لتقليب صفحات ما أطلق عليه بـ (الشرق الاوسط الجديد)، لنفتش عن مراجع الاصوات التي برزت مستكلبة ولاهثة ومتلهفة ولعابها يسيل لتقسيم البلد، مستغلة غمرة زوبعة الولايات الامريكية ويدها الضاربة اسرائيل على إيران.. وهنا سؤال لحوح هل ان تلك الاصوات الوقحة هي وسيلة من صنف الوعيد والتهديد للعالم؟ إذا ما اشتعلت الحرب وأتيحت الفرصة لتقسيم العراق، الذي بات حصص مملوكة. ولم يشفع له حتى من ابنائه المعتكفين، الذين يغمرهم الصمت الرهيب الغريب على الشعب العراقي الباسل. لقد شاءت الاحوال ان يختطف العراق بعد علسه بأنياب القوى الامبريالية.
ان شعبنا العراقي النبيل ما زال صارخاً بانه ليس له لا ناقة ولا جمل فيما يحصل من صراعات المصالح الاقليمية والدولية، ولكن للاسف الشديد ان القلة الماسكة للحكم هي من تهرول خلف أطراف الصراع وكأنها تقول " دخيلكم " خذوني في ركبكم، دون ان تعبه بارادة غالبية المواطنين.. ان اي مواطن عاقل اصبح يستغني اليوم عن معرفة الاسباب التي تدعو الماسكين بذيول الاخرين على حساب وطنهم، لكونهم لا يخفون انتظارهم لتلقي الضوء الاخضر من مراجعهم، للاطاحة بوحدة البلد ووحدة شعبه بمختلف اطيافه حيث انهم لا يملكون الشرعية ولا ثقة ابناء شعبهم، مما جعلهم يخشون تفجر الغضب العارم عندما تحصل اية كارثة. وحينها لا ملاذ عن المصير الاسود لهؤلاء فالاحتماء بالحصة من البلد التي بمقدورهم تسخيرها لافلاتهم من غضب الناس، لاسيما عندما يعمّد هذا اوذاك الجزء المختطف بالطائفية، التي من الآن تدور ضمنها احلامهم الانشطارية.
وهنا لا نستهدف اعادة ما يطرحه الاغلبية من الناس بصدد حلول لازمة الحكم بدءاً بازاحة الاقلية الحاكمة وتطبيق الديمقراطية النزيهة، غير اننا نؤكد على اختلاف اساليب التغيير.. اما واقع الحال فيدلنا الى السبيل السوي وما يتلائم مع الاسس الدستورية والتدوال السلمي للسلطة وفي سياق الحكم البرلماني ومنهج الديمقراطي اي الانتخابات، فالدعوة لخوضها لا تعطي الفرصة للمتمسكين عنوة وزيفاً بالسلطة في التنكر للدستور والقوانين وقواعد الديمقراطية كما جرى في استخدام هراوة " الثلث المعطل " المستورد النازع للشرعية، وتحويل الفائز الى خاسر وتسليم الحكم للفاشلين. ان عدم المشاركة في العملية الانتخابية يترك الساحة للفاسدين ويزيح عنهم اية مضايقة وهم بذلك فرحون جداً، ولا يهمهم ان تقول عنهم الناس بانهم لا يتمتعون بالشرعية. بل ان شرعيتهم ياخذونها كما يعتقدون من سلاحهم واموالهم السحت والدعم الحاصلين عليه عبر الخارج .
ان المقاطعة لم تنتج شيئاً خلال عشرين عاماً مضت، ولكن المشاركة ورغم قلتها انتجت " التحالف الثلاثي " في اقل تقدير، وكذلك حصول المستقلين على اعلى الاصوات وادخال اربعين نائباً الى البرلمان.. و لولا الاحابيل والتكتيكات المريبة والتهديد المبطن لبعض اطرافه التي سرعان ما انزوى لكان الحكم بيد الاغلبية، الا نستدرك ونتعض من هذه التجربة الملموسة، ونكون اصحاب بصيرة بان المشاركة رغم طقوس الفساد والارهاب الفكري اثبتت فاعليتها . لذا سيكون اللوم حول استمرار اغتصاب السلطة، على عاتق من يتكئ على وسادته ويشهر سيف النقد والشكوى ولا يلوم نفسه، ان توحيد الجهود والتمسك بقناعة بان غد الديمقراطية سيحقق ثمرة المشاركة لقريب.