تحاولُ بغداد، على ما يبدو، لعبَ دورِ الوسيطِ بين واشنطن وطهران، لمنعِ انزلاق البلادِ إلى الحرب.
وقد غادرَ رئيسُ الحكومةِ، محمد شياع السوداني، لحضورِ قمةِ الرياض حولَ الأزمةِ في المنطقة، فيما أرسلَ أكثرَ من شخصيةٍ أمنيةٍ إلى إيران.
ويرفضُ العراقُ الرسميُّ التورطَ في الحرب، بينما تراجعت الفصائلُ أيضًا عن التصعيد، بالتزامن مع وصول دونالد ترامب إلى البيتِ الأبيض.
بدأ الجميعُ في العراق بتجنبِ الحديثِ عن مذكرةِ الاعتقالِ القديمةِ ضد ترامب، ونفى العراقُ تقديمَ تسهيلاتٍ لإيران للرد على إسرائيل.
ونهارَ أمس، وصلَ رئيسُ الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى العاصمةِ السعوديةِ الرياض، للمشاركةِ في القمةِ العربيةِ والإسلاميةِ حول "العدوان على غزّة ولبنان"، وفقَ بيانٍ حكومي.
ومن المتوقع أن توحِّدَ القمةُ المواقفَ العربيةَ والإسلاميةَ، وتضغطَ على المجتمعِ الدولي للتحركِ بجديةٍ لإيقافِ الاعتداءاتِ المستمرة.
وقالَ المتحدثُ باسم الحكومةِ العراقية، باسم العوادي، إن "مشاركةَ بغدادَ في قمةِ الرياضِ تعكسُ الرغبةَ في تعزيزِ علاقاتِها مع محيطِها العربي".
وأضافَ في بيانٍ: "كما أن العراقَ باتَ قادرًا على شَغلِ مكانتِه التاريخية بوصفهِ قاطرةً للدولِ العربيةِ في مواجهةِ التحدياتِ الخارجية".
وترى الحكومةُ العراقيةُ في "قمةِ الرياضِ" أنها تشكلُ فرصةً للعراقِ لإثباتِ قدرتهِ على أن يكونَ محركًا للتعاونِ العربي، بحسبِ العوادي.
وتعتقدُ بغدادُ أنَّ مخاطرَ توسعِ رقعةِ الصراعِ في المنطقةِ ما زالت كبيرةً بسببِ استمرارِ الحربِ على قطاعِ غزةَ ولبنان.
وبحسبِ تصريحاتٍ لوزيرِ الخارجيةِ فؤاد حسين، فإن "بغدادَ تأخذُ أيَّ تهديدٍ للوضعِ العراقي بجديةٍ من أيِّ طرفٍ كان"، في إشارةٍ إلى إيران وإسرائيل.
وأضافَ أن "العراقَ يقعُ في جغرافيةِ الحرب، واستمرارُ الهجومِ والهجومِ المضادِّ على إيران يعني احتماليةَ أن تكونَ الأراضي والأجواءُ العراقيةُ ضمن مناطقِ الحرب".
وبيَّن حسين أن "الإيرانيين أكدوا بوضوحٍ عدمَ انطلاقِ أيِّ هجومٍ على إسرائيل من الأراضي العراقية".
وفي الأسبوعِ الماضي، نفى "ائتلافُ إدارةِ الدولة" ما يُشاع عن اتخاذِ الأراضي العراقيةِ منطلقًا لتنفيذِ هجماتٍ، بحسبِ بيانٍ صدرَ عن التحالفِ الحاكم.
كما وصفَ المجلسُ الوزاريُّ للأمنِ الوطنيِّ الحديثَ عن استخدامِ الأراضيِ العراقيةِ كمنطلقٍ لتنفيذِ هجماتٍ بأنه "ذرائعُ كاذبة".
كذلك نفت كتائبُ "حزبِ الله" الأنباءَ المتداولةَ عن نقلِ إيرانَ أسلحةً إلى العراقِ للردِّ على إسرائيل، في بيانٍ للفصيل.
وكان تقريرٌ أمريكيٌّ قد كشفَ عن معلوماتٍ استخباراتيةٍ تشيرُ إلى أن "الحرسَ الثوريَّ الإيرانيَّ يقومُ بنقلِ طائراتٍ بدونِ طيارٍ وصواريخَ باليستيةٍ إلى الميليشياتِ الشيعيةِ في العراق، ويُخططُ لشنِّ هجومٍ مشتركٍ ضدَّ إسرائيل انطلاقًا من الأراضي العراقية".
وتوقعَ محللونَ أن يتخذَ ترامبُ مواقفَ تصعيديةً ضدَّ إيرانَ والفصائلِ فورَ عودتهِ إلى البيتِ الأبيض.
وبدأت بغدادُ بفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع الرئيسِ الأمريكي، وطوت قضيةَ مذكرةِ الاعتقالِ الصادرةِ ضدَّهُ قبلَ ثلاثِ سنوات.
ومساءَ الجمعة، اتفقَ السودانيُّ وترامبُ، في اتصالٍ هاتفيٍّ، على التنسيقِ معًا لإنهاءِ الحروبِ في المنطقة، بحسبِ بيانٍ حكومي.
الوساطة مع إيران
في غضونِ ذلك، يعتقدُ الدبلوماسيُّ السابقُ غازي فيصل أنَّ العراقَ لاعبٌ مهمٌّ في المنطقة، وبحكمِ علاقاتِه مع أمريكا وإيران "قد يعملُ على نزعِ فتيلِ الأزمةِ من خلالِ الجهودِ الدبلوماسيةِ أو نقلِ الرسائلِ من واشنطن إلى إيران".
وقالَ فيصل لـ(المدى): "إنَّ الخروجَ من الحروبِ هو ستراتيجيةُ ترامب، والعراقُ من خلالِ علاقاتِه يلعبُ دورًا مهمًا في التهدئةِ بالشرقِ الأوسط، وبما يؤمِّنُ تغييرَ اتجاهاتِ السياسةِ الخارجيةِ الإيرانيةِ من تصديرِ الثورةِ والتدخلِ في شؤونِ دولِ المنطقةِ إلى احترامِ القانونِ الدولي".
ويرجحُ أن رسالةً حمَّلها ترامبُ إلى السوداني، لنقلِها إلى إيرانَ في آخرِ اتصالٍ بينَ الطرفين، بحسبِ صحيفةٍ إماراتية.
ونقلت صحيفةُ "العين" الإماراتيةُ عن مصدرٍ مقربٍ من رئيسِ الوزراءِ العراقي أنَّ الرسالةَ مفادُها أنَّ "ترامبَ عازمٌ على تسويةِ القضيةِ النوويةِ مع إيرانَ وإنهاءِ الحروب، إذا أبدت الأخيرةُ حسنَ نيةٍ فيما يتعلقُ بتلك الملفات".
وكان المتحدثُ باسم الحكومةِ العراقيةِ، باسم العوادي، قد صرَّح السبتَ الماضي أنَّ الاتصالَ بينَ السوداني وترامب تميزَ بدرجةٍ عاليةٍ من الإيجابية.
وفي غضونِ أسبوعٍ، أرسلَ العراقُ مستشارَ الأمنِ القومي، قاسم الأعرجي، ووزيرَ الداخلية، عيد الأمير الشمري، إلى طهران.
وأكد الأعرجي ووزيرُ الخارجيةِ الإيراني، عباس عراقچي، في بيانٍ يومَ الأحدِ، أهميةَ التعاونِ بينَ دولِ المنطقةِ لتجنبِ اتساعِ رقعةِ الصراع.
بالمقابل، كان هدفُ زيارةِ الشمري إلى طهرانَ غيرَ واضح. ورسميا قالت الحكومةُ في بيانٍ إنها جاءت لـ"ترتيباتِ الزيارةِ الأربعينية".
وتزامنت زيارةُ الشمري مع التسريباتِ الأخيرةِ حولَ احتمالِ استخدامِ إيرانَ الأراضيَ العراقيةَ للردِّ على إسرائيل.